كيفية أداء سجدة التلاوة في الإسلام

سجدة التلاوة من السنن المؤكدة في الإسلام، وهي تعبير عملي عن الخضوع والخشوع لله تعالى عند قراءة أو سماع آيات مخصوصة في القرآن الكريم تحتوي على أمر بالسجود. تتجلى هذه السجدة في موقف روحي عميق يربط بين القارئ أو المستمع وبين عظمة الله وجلاله، وهي من الشعائر التي تعزز العلاقة بين العبد وربه.

في هذا المقال، سيتم استعراض مفهوم سجدة التلاوة، الحكم الشرعي لها، آدابها، الطريقة الصحيحة لأدائها، كما سنستعرض الأحكام المتعلقة بها والمواقف التي تجب فيها السجود، إضافة إلى توضيح الفرق بينها وبين سجدات أخرى في الإسلام.

مفهوم سجدة التلاوة وأهميتها

سجدة التلاوة هي السجدة التي يؤديها المسلم عندما يقرأ أو يسمع إحدى الآيات القرآنية التي تحتوي على أمر بالسجود، وهي آيات محددة وردت فيها كلمة “اسجد” أو ما يدل عليها من معنى السجود. يقوم المسلم بالسجود تأديةً لأمر الله وامتثالاً لسنته، تعبيراً عن التواضع والخضوع له عز وجل.

تعد سجدة التلاوة علامة على تعظيم آيات الله وتقديرها، وهي فرصة للتقرب إلى الله بالتذلل والخشوع، وتذكير للعبد بمكانته أمام عظمة الخالق. ورد في السنة النبوية أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ آية سجدة تلاوة، سجَدَ، وحيّا هذا العمل في الأمة، وجعل من أداء سجدة التلاوة سنة مؤكدة.

الحكم الشرعي لسجدة التلاوة

سجدة التلاوة تعد من السنن المؤكدة عند جمهور العلماء، وأداؤها من الأعمال المستحبة بشدة. وقد اختلف العلماء في حكمها بين وجوب وسنة، لكن الغالبية العظمى من الفقهاء ترونها سنة مؤكدة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص عليها، وحث الصحابة على أدائها.

قال الإمام النووي: “سجود التلاوة سنة مؤكدة، على الصحيح من مذهب الإمام أحمد والشافعي وأبو حنيفة.” وقال الإمام ابن قدامة: “سجود التلاوة سنة مؤكدة، من السنة المؤكدة، فإن لم يَسجد المُتلو فلا شيء عليه.”

وأما من تركها عمداً مع القدرة عليها، فالأفضل أن يتوب إلى الله ويعزم على أدائها؛ لأن فيها تعظيم لكلام الله وتواضع له.

الآيات التي يجب السجود عند قراءتها أو سماعها

هناك خمس عشرة آيةً ورد فيها السجود الشرعي، وتسمى آيات السجود أو سجود التلاوة، وتأتي في سور مختلفة من القرآن الكريم. تتمثل هذه الآيات بما يلي:

1. سورة الأعراف: الآية 206

2. سورة الرعد: الآية 15

3. سورة النحل: الآية 50

4. سورة الإسراء: الآية 109

5. سورة مريم: الآية 58

6. سورة الحج: الآية 18

7. سورة الحج: الآية 77

8. سورة الفرقان: الآية 60

9. سورة النمل: الآية 26

10. سورة السجدة: الآية 15

11. سورة ص: الآية 24

12. سورة فصلت: الآية 38

13. سورة النجم: الآية 62

14. سورة الإنشقاق: الآية 21

15. سورة العلق: الآية 19

يجب أن يؤدي المسلم سجدة التلاوة عند قراءة أي من هذه الآيات أو سماعها من غيره، سواء كان ذلك في الصلاة أو خارجها.

حكم أداء سجدة التلاوة في الصلاة وخارجها

يمكن أداء سجدة التلاوة في الصلاة وفي غير الصلاة، ويختلف حكمها باختلاف الوقت والمكان:

• في الصلاة: إذا قرأ المصلي آية السجدة، عليه أن يسجد فوراً في موضعها، ويعتبر سجود التلاوة في الصلاة من سنن الصلاة المؤكدة، يجب أن يؤديها المصلي قبل أن يقوم من الركعة، ويجوز له أن يرفع رأسه من السجدة ثم يسبّح ويردد التشهد بعد ذلك.

• خارج الصلاة: إذا قرأ المسلم آية السجدة في غير الصلاة، يستحب له السجود، ويمتثل الأمر بإنزال الجسد كاملًا على الأرض أو على ما يُسن السجود عليه، مثل الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين.

إذا كانت القراءة من المصحف أو من المصلي أو من سماع القرآن في المسجد، يجب على السامع أيضًا أداء السجدة عند سماع هذه الآيات.

آداب وأحكام سجدة التلاوة

ينبغي مراعاة بعض الآداب عند أداء سجدة التلاوة، ومنها:

1. الطهارة: يستحب أن يكون المسلم متطهراً، سواء كان في الصلاة أو خارجها، لأن السجود عبادة من العبادات التي تستلزم الطهارة عند العلماء.

2. استقبال القبلة: الأفضل السجود باتجاه القبلة، وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث.

3. الخشوع: السجود تعبير عن الخضوع والتواضع، لذلك يجب أن يؤدي المسلم سجود التلاوة بخشوع وتدبر.

4. الرفع من السجود: بعد السجود يستحب أن يرفع المصلي رأسه برفق ولا يعجل، ويقول بعض الأذكار مثل “سمع الله لمن حمده” في الصلاة، أو أذكار السجود في غير الصلاة.

5. مدة السجود: يكفي للسجود أن يكون لمسح الجبهة والأنف مع الأرض أو ما يحل السجود عليه، ولا يلزم البقاء طويلاً.

الطريقة الصحيحة لأداء سجدة التلاوة

أداء سجدة التلاوة يتبع خطوات واضحة يمكن توضيحها كما يلي:

1. النية: يجب أن ينوي المسلم السجود تقرباً إلى الله وطاعة لأمره، وذلك بدخول القلب والنية لا تحتاج إلى التلفظ.

2. التحلل من الوقوف: إذا كان المصلي في الصلاة، ينكّس من القيام إلى السجود مباشرة بعد قراءة الآية، أما في غير الصلاة، فبإمكانه السجود على الفور.

3. السجود: يُسجد المسلم بوضع الجبهة والأنف على الأرض أو السجادة أو التراب أو ما يصح السجود عليه، مع وضع الكفين والركبتين وأطراف القدمين على الأرض، مع الاستقامة.

4. الدعاء في السجود: يستحب للمسلم الدعاء في السجود، لما في السجود من قرب خاص إلى الله، كدعاء التضرع والاستغفار وطلب الرحمة والمغفرة.

5. الرفع من السجود: بعد أن يرفع المصلي رأسه من السجود، يواصل الصلاة إذا كان مصلياً، أو يكمل أعباده إذا كان في غير الصلاة.

الفرق بين سجدة التلاوة وسجدات أخرى

من المهم التفرقة بين سجدة التلاوة وسجدات أخرى في الإسلام، مثل سجود الصلاة وسجود الشكر وسجود السهو.

• سجود الصلاة: هو جزء أساسي من أركان الصلاة، ويؤدى مرتين في كل ركعة.

• سجود التلاوة: هو سجدة خاصة تأدية لأمر في القرآن، لا تدخل ضمن أركان الصلاة، بل هي سنة مؤكدة تتعلق بآيات معينة.

• سجود الشكر: يؤديه المسلم خارج الصلاة عند حدوث نعمة عظيمة، وشكر الله عليها.

• سجود السهو: يؤديه المسلم في الصلاة لتعويض الخطأ أو النسيان.

كل سجدة من هذه السجدات لها وقتها وشروطها وأحكامها الخاصة، وتختلف في الحكمة والمقاصد.

الجدول التالي يوضح آيات السجود وعددها ومكانها

خاتمة

سجدة التلاوة تمثل قيمة روحية عظيمة في الدين الإسلامي، فهي تعبير عن الطاعة، والخضوع، والخشوع لله تعالى عند قراءة أو سماع آيات القرآن الكريم التي تحث على السجود. إن الحرص على أداء هذه السجدة بالطريقة الصحيحة يعزز العلاقة بين العبد وربه، ويدفع الإنسان للتأمل في عظمة الخالق وسلطانه.

في سبيل تحقيق هذه العبودية، لا بد من مراعاة الآداب الشرعية المتعلقة بسجدة التلاوة، مع الإخلاص في النية والالتزام بما جاء في السنة النبوية. أداؤها في الصلاة يزيد من خشوع الصلاة، وخارج الصلاة يجعل المسلم دائم الاتصال بكلام الله العظيم، مستشعرًا لطفه وعظيم رحمته.

المصادر والمراجع

1. الفقه الإسلامي وأدلته – الدكتور وهبة الزحيلي

2. الشرح الممتع على زاد المستقنع – الشيخ محمد بن صالح العثيمين